٢٠٠٨/١٢/٢٦

الدكتور نايل الشافعي


موقع موسوعة «المعرفة»

في شباط الماضي أصبح للعرب نواة موسوعة حرة أولى على الإنترنت هي موسوعة «المعرفة». لكن قصة «المعرفة» www.marefa.org لم تبدأ من يوم ظهور صفحتها على الشبكة، بل هي تتعداها ربما إلى اليوم الذي وضب الدكتور نايل الشافعي حقيبته متجهاً من القاهرة نحو «معهد مساتشوستس للتكنولوجيا» في الولايات المتحدة في العام 1983 . هي قصة تعود إلى سنوات طويلة مضت تشارك فيها صاحب موسوعة «المعرفة» المكتب أثناء الدراسة مع ريتشارد ستالمان، أبو حركة البرمجيات الحرة، باني أول موسوعة حرة مفتوحة، «غنويديا» التي تطورت إلى ويكيبيديا. فساهم نايل في النسخ العربية والإنجليزية واليابانية من ويكيبيديا منذ نشأتها ليصبح لاحقاً أحد أكبر المساهمين في ويكيبيديا العربية. لكنه كما يقول شعر بالحاجة لبدء مشروع مستقل. فكانت «المعرفة» هي مشروعه الخاص والذي يعطيه من وقته وماله من أجل تنميته. وتركز هذه الموسوعة على التراث المعرفي العربي وهدفها «جمع المحتوى العربي الرقمي من مختلف المشارب... إنما بعين عربية». وهو الهدف الذي دفع مهندس الكومبيوتر والاتصالات إلى تطوير موقعه بعد حوالى التسعة أشهر ليضم بين ثناياه مجموعة نادرة من المخطوطات والكتب العربية في مختلف الميادين والتي أصبح بإمكان زائر الموقع أن يحملها من على الشبكة.

«السفير» حاورت عبر الانترنت الدكتور نايل الشافعي، المقيم حاليا في الولايات المتحدة، والذي تحدث عن الكنز المعرفي الذي يجمعه بجهد شخصي ورؤيته لدور هذا الموقع في نشر المعرفة والثقافة العربيتين وتوسيع حجم المحتوى العربي على الإنترنت... ورد بعض الجميل إلى الحضارة التي نشأ وتعلم فيها.

من هو نايل الشافعي؟ وما هي قصتك مع التكنولوجيا؟ لماذا تركت مصر وانتقلت إلى الولايات المتحدة فأصبحت قبل سن الخمسين مديراً تنفيذياً لعدد من شركات الكومبيوتر والاتصالات وصولاً إلى تأسيس شركتك الخاصة في مجال اتصالات الانترنت؟

حصلت على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة في العام 1981 وعملت بشركة فرنسية حتى حصلت على القبول في «معهد مساتشوستس للتكنولوجيا» (MIT) في العام 1983 حيث حصلت على الماجستير (1986) والدكتوراه (1990) من قسم علوم الحاسب بأطروحة عن «الذكاء الاصطناعي في التصميم الهندسي». بعد ذلك عملت في شركة كميوتر؟يجن Computervision ، إحدى أكبر منتجي برامج التصميم الهندسي المستخدمة للأنظمة المعقدة مثل الطائرات والسيارات والروبوتات، حيث أنشأت قسماً للحلول المتخصصة بلغت مبيعاته 400 مليون دولار في ست سنوات. ثم انتقلت إلى شركة «ألايد سيغنال» (أصبحت هني ويل) كنائب رئيس لأنظمة الاتصالات المؤمنة. ومع ثورة الانترنت عام 1996 التحقت بشركة جديدة صغيرة للاتصالات فائقة السرعة، اسمها «كويست»، كالمسؤول الثاني عن الشركة والمهندس الوحيد في مجلس الإدارة. حيث قمت بتصميم أول شبكة ألياف ضوئية للاتصالات وبنائها تغطي الولايات المتحدة (000,40 كم) بسرعة 10 غيغابت في الثانية (لأول مرة). وفي خلال ثلاث سنوات نمت الشركة من نحو 100 موظف إلى000,12 موظف. وقد رفضت «كويست» عرضاً من «دويتشه تليكوم» لشرائها بمبلغ 100 بليون دولار، وبدلاً من ذلك اشترت كويست شركة «يو إس وست» للاتصالات المحلية (الجزء الشمالي الغربي لـ AT&T قبل تكسيرها) والتي يبلغ تعداد موظفيها 90 ألف موظف، مما أدى إلى تغيير روح الشركة. فتركتها وأنشأت «إنكيدو» وهي شركة اتصالات فائقة السرعة داخل المدن الكبرى متخصصة في التوصيلات الفائقة السرعة (من 1 إلى 40 غيغابت /ثانية)، وكنا وما زلنا الشركة الوحيدة في العالم التي تطرح هذا السرعة. وتضم قائمة عملائنا شركات فرانس تليكوم، ودويتشه تليكوم وشبكات التلفزيون «إن بي سي» والتلفزيون الياباني «نيون تي في».

- من أين ولدت فكرة إنشاء موقع المعرفة؟ وكيف استطعت أن تنفذها؟ من ساعدك؟

منذ الصبا ولي اهتمامات موسوعية. وأثناء دراستي في MIT، تقاسمت المكتب لبضع سنوات مع ريتشارد ستالمان، أبو حركة البرمجيات الحرة، وباني نظام التشغيل الحر المجاني، « غنو GNU» (لينوكس LINUX هو أحد نسخه) ولاحقاً أول موسوعة حرة مفتوحة، «غنويديا» التي تطورت إلى «ويكيبيديا». وقد ساهمت في نسخها العربية والإنجليزية واليابانية منذ نشأتها لأصبح لاحقاً أحد أكبر المساهمين في ويكيبيديا العربية. إلا أنني شعرت بالحاجة لبدء مشروع مستقل لأسباب عدة منها:

1ـ أن هناك حاجة لجمع المحتوى العربي (المرخـَّص) لكي نخصص جهود التحرير للبناء من حيث انتهى الآخرون. فخلافاً للغات العالم الكبرى الأخرى، تفتقر الثقافة العربية إلى المحتوى الإلكتروني، ويفاقم من ذلك الوضع قصر عمر المواقع الإلكترونية العربية، مما يجعل محتواها الإلكتروني مملوكاً لكيان اعتباري قد زال من الوجود، ولا يستطيع حتى كاتب المحتوى نشره في مكان آخر. «جيمبو ويلز» صاحب ويكيبيديا يريد محتوىً كـُتب خصيصاً لويكيبيديا، أو محتوى تنازل صاحبه عن حقوقه كافة فيه كي لا ينازعه فيه أحد إذا ما قرر طرح هذا المحتوى للبيع في صيغة كتاب أو قرص أو باع شركته المالكة لويكيبيديا. وهناك لغط كثير حول تفسير وتطبيق رخصة «جنو» للوثائق الحرة. وبين من صاغها، ريتشارد ستالمان، وبين جيمبو ويلز.

2ـ سماح ويكيبيديا للتسجيل بأسماء مستعارة غير محقـَّقة جلب إلى ويكيبيديا العربية حفنة ممن استغلوا ضعف المشاركة فيها في بدايتها فنصبوا أنفسهم شرطياً على الفكر يمنعون ما يخالف آراءهم بحجج كثيرة دون أن يضيفوا محتوى يذكر. الأمر الذي أبقى ويكيبيديا العربية على حجم أقل من نصف الواحد بالمئة من حجم ويكيبيديا الإجمالي. فترى مقالاً مثلاً عن البيروني، بعد عشــرة إسهامات على مدى سنتين لم يتعد طوله سطراً واحداً، من كثرة الحذف.

لذلك فقد ارتأيت إطلاق موسوعة «المعرفة» على أن يكون هدفها جمع المحتوى العربي الرقمي من مختلف المشارب، بما لا يخالف القانون، والبناء من حيت انتهى الآخرون فأمامنا الكثير للحاق بركب الحضارة. لذلك فقد استعانت المعرفة كبذرة بمقالات من مواقع مصرحة بالنقل والاقتباس مثل ويكيبيديا العربية (جزء كبير منها كنت أنا محرره) ومجلة العربي الكويتية ومواقع «إسلام اونلاين» والكنيسة القبطية والمواقع الحكومية العربية والأمم المتحدة وغيرهم.

- إلى أي مدى إذاً هناك علاقة بين «المعرفة» و«ويكيبيديا»؟

المعرفة قد تشبه ويكيبيديا في الشكل الخارجي للصفحة بسبب استخدام برنامج النشر نفسه، إلا أنها ليست نسخة من ويكيبيديا، مع احترامي لها. فمواضيعنا تتميز بعمق أكبر في المعالجة ونظرة عربية. ومع نمو المعرفة وانطلاق مشروعاتها المختلفة أصبحت تلك البذرة التي بنينا عليها، مع اعتزازنا بها، جزءاً صغيراً من مجموع الصفحات.

- تعتمد «المعرفة» كما موقع «ويكيبيديا» على مجموعة محررين هم المخولون إضافة معلومات إليها. فما هي الوسائل التي تعتمدها من أجل التأكد من صحة المعلومات التي يضعها المحررون على الموقع؟ هل أنت تختــار هؤلاء المحررين أو توافق عليــهم قبل أن تصــبح لهم صلاحيات الإضافة على الموقــع؟لا سيما وأننا شهدنا قبل فترة وجيــزة «فضيــحة» على ويكيــبيديا حيث تبين أن أحد المحــررين ليــس خبــيراً كما ادعى.

أنا أتفق في الرأي مع لاري سانجر، الذي أنشأ نظام تحرير ويكيبيديا، في رده تلك الفضيحة إلى سماح ويكيبيديا لمجهولين بأن يسهموا فيها بدون التحقق من شخصياتهم. فالتحقق من شخصيات المساهمين يقي الموسوعة شروراً كثيرة ومنها جزء كبير من المعلومات المغلوطة. والتأمين الإضافي يكون من خلال متابعة الإداريين اللصيقة لما يضاف للموسوعة على مدار الساعة. وبالطبع اكتشاف المعلومات الخاطئة يصبح أسهل كلما ازداد عدد المساهمين.

- ما هو عــدد مستخدمي الموقع شهرياً ويومياً؟

موسوعة «المعرفة» التي أنشئت في فبراير ,2007 تجتذب من 200 إلى 600 زائر يومياً بمتوسط 10 صفحــات للزائر. نتوقع ارتفاع الرقم مع مرور الوقــت وزيـادة معرفة الناس بها.

- ماذا عن مشروع المخطوطات التي أضيف مؤخراً إلى الموقع؟ من أين جاءت فكرة إتاحة هذه المخطوطات للجمهور مع إمكانية تحميلها على أجهزتهم؟

يعتبر راج ريدي أحد أشهر علماء الحاسب في العالم وهو عميد معهد علوم الروبوت بجامعة كارنغي ميلون في بتسبرغ بولاية بنسلفانيا وهو من مواليد حيدر أباد بالهند. ومنذ عشرين سنة، تناقشنا حول كتاب كليلة ودمنة وأصله الهندي «بانشا تانترا» ومختلف الأشكال واللغات والحضارات التي مر بها هذا الكتاب حتى وصل للحضارة العربية. منذ ذلك الحين وصداقتنا متواصلة. راج هو أحد مؤسسي مشروع «غوتنبرغ للحفاظ على كتب التراث الإنساني العالمي» ومشروع المليون كتاب. وهو استطاع أخيراً إقناع الحكومة الهندية بتصوير المخطوطات والكتب القديمة لديها كافة. من ضمن تلك المخطوطــات والــكتب التي تم تصويرها هناك أكثر من مئة ألف مخـطوط وكتاب باللغة العربية.

فاللغة العربية كانت لغة العلم والحضارة والبلاط في سلطنة الهند المغولية ومعظم ممالك الهند حتى استقلال الهند عام 1947 ثم بعد ستين عاماً من الاستقلال إذا بحيدر أباد تفتقد لشخص واحد قادر حتى على قراءة وكتابة عناوين ما كان أجداده المباشرون يصنفونه بالعربية ويفهرسونها الآن بحروف لاتينية ركيكة. ولا غرو وقد تبدل حال المسلمين من سادة الهند إلى أفقر أهلها. ونظن أن الحكومة الهندية الحالية عاكفة على تعديل ذلك.

وقد عرضت الحكومة الهندية إهداء نسخة من المخطوطات العربية كافة لإحدى الجهات العربية، فاشترطت تلك الجهة أن تدفع الحكومة الهندية مبلغ 25 سنتاً على كل صفحة من تلك المخطوطات قبل قبول تلك الهدية، علماً بأن الجزء الأول من الهدية كان يتكون من 2.5 مليون صفحة. فرفضت الهند. روى لي راج القصة فقلت له أعطها لي وسأعمل على نشرها. وهكذا بدأ المشروع.

- ما هو عددها الحالي؟ وهل يمكن تحميلها كاملة؟

كل كتاب يتطلب نحو نصف ساعة للنشر الإلكتروني بالإضافة إلى 30 إلى 60 دقيقة للتوثيق (نبذة عن الكتاب والكاتب ونبذة عن الجهود لتحقيقه). ولدينا حتى الآن 25 ألف كتاب، وبسهــولة سيتـعدى عددها المئة ألف كتاب قريباً.

- كيف يتم تزويد الموقع بالمخطوطات؟ وما هي الخطوات لنشرها إلكترونياً؟

اتجه فكري إلى وضع صور صفحات الكتب والمخطوطات على الإنترنت على برامج تعاونية للتحرير (ويكي) والتدوين (برنامج التدوين التابع لمشروع غوتنبرغ) داخل موسوعة المعرفة لربط الكتب بباقي مدخلات الموسوعة.

وبالفعل قمت بعمل ذلك ولاختبار فاعلية النظام ولتحفيز الآخرين على المشاركة فقد قمت بالنشر الإلكتروني لنحو مئة كتاب.

فقد شرعنا، أولاً، بـالحصول على صور المسح الضوئي للمخطوطات، ثم قمنا بتدوينها، كخطوة ثانية، أي تحويل الصورة إلى نص حرفي يمكن التعامل التحريري معه. ويتم ذلك عن طريق مشروع «معرفة المخطوطات» الذي يضم برنامج تدوين المخطوطات، عن بعد Distributed Proofreading. وهذه الخطوة تتطلب جهداً فائقاً ندعو القراء الكرام للمشاركة فيها. والخطوة الثالثة تتضمن نشر المخطوط إلكترونياً مقروناً بمقالات توضيحية مقتبسة من موسوعة المعرفة، أو من مصادر أخرى؛ متعلقة بالمخطوط، ونبذة موجزة عن الكاتب. ويمكن لكل قارئ لـ«المعرفة» تحميل المخطوط، أي القيام بنسخِه وحفظه للإطلاع عليه عند الحاجة، كمرجع مهم، أو تحقيقه ونشره. أو الإسهام بإضافة معلومات عن المخطوط/الكتاب أو الكاتب. أما الخطوة الرابعة فهي تقديم نص المخطوط إلى مشروع غوتنبرغ Gutenberg Project لنشر كتب التراث العالمي بعد أن تمكنت موسوعة «المعرفة» من الانضمام إلى عضوية هذا المشروع. وبذلك تكون المعرفة المشارك العربي الأول والوحيد في هذا المشروع العالمي المهم.

- ما هو العدد النـهائي المتوقع لهذه المخطوطات؟

موسوعة المعرفة في طريقها للحصول على نحو 80 ألف كتاب ومخطوط باللغة العربية من الهند يعود بعضها إلى القرن الأول الهجري. وكذلك تم الاتفاق على الحصول على ثمانية آلاف كتاب من الصين مكتوبة بالعربية. ونعمل على الحصول على مخطوطات عربية من مالي (تنبكتو).

بالإضافة للمخطوطات والكتب باللغة العربية فقد حصلت موسوعة المعرفة على أكثر من عشرة آلاف مخطوط وكتاب بلغات أخرى تستخدم (أو كانت تستخدم) الأبجدية العربية مثل الفارسية والتركية والشياورجن (الصينية الماندرينية بحروف عربية).

وأخيراً عرضت جامعة كولومبيا تزويد الموسوعة بالصور والترجمة الإنجليزية لألفي بردية مصرية تعود للفترة بين العامين 300 م و 700 م.

- ما هي المشاريع التطويرية الأخرى التي تنوي تنفيذها على الموقع؟

إطلاق مشروعات معرفية شقيقة مثل معرفة المخطوطات، ومعرفة المدونات ومعرفة المساجد ومعرفة الأديرة ومعرفة الجينات ومعرفة الفصائل الحيوية ومعرفة الآثار ومعرفة المناهج الجامعية إلخ.

- ما الذي تستفيده من هذا العمل المضني؟

رد بعض الجميل للحضارة التي نشأت فيها وتعلمت منها..


نقلا عن جريدة السفير