بقلم زياد بهاء الدين ٣/ ١/ ٢٠٠٩
لا يمر يوم دون أن يسألنى أحد الأصدقاء أو المعارف عن رأيى فيما سوف يحدث فى السوق المصرية من جراء الأزمة المالية العالمية، هل ستنهار أسعار العقارات؟ إلى متى يستمر انخفاض أسعار الأسهم فى البورصة؟
هل صحيح أن أسعار السلع المعمرة سوف تتراجع؟ ما مستقبل سعر الصرف؟.. وهكذا، كلها طبعاً أسئلة مشروعة وتثير قلق كل مواطن، ومن يطرحونها يفعلون ذلك ظناً منهم بأننى على دراية بمعلومات سرية وخطيرة، لو أتيحت لى فعلاً لكنت أغنى رجل فى مصر.
ولكن إن كانت الإجابات عن هذه الأسئلة فى علم الغيب، فإن ما يجب ألا يكون سراً فى مجتمع اليوم، هو المعلومات والبيانات والأرقام الأساسية التى يمكن أن تساعد الشخص المهتم على الاستنتاج والتوقع،
وعلى مشاركة الناس عموماً فى مناقشة تتجاوز الشائعات والمؤامرات، والمتابع لتغطية وسائل الإعلام خارج مصر للأزمة المالية والاقتصادية العالمية، يجد أن المتاح للمواطن البريطانى أو الفرنسى أو الأمريكى فى وسائل الإعلام العادية من معلومات وبيانات عن المبيعات، وعن العقارات،
وعن التصدير والاستيراد، وعن سوق العمل، وغير ذلك، كثير جداً ومستمر وهو ما يعطى الناس القدرة على الاستنتاج والتفكير، وهو ما يعطى المؤسسات البحثية المجال لإصدار الدراسات التى تساعد على توقع ما سيأتى.
هناك نقص شديد فى هذا النوع من المعلومات الاقتصادية فى مصر، وقصور أشد فى أساليب نشرها وتداولها بين الناس، فهو مجال ينبغى أن تأخذ الحكومة المصرية والمسؤولون فيها المبادرة بشأنه، فيكون دورهم ليس مجرد التصريح بتوقعات وسياسات، وإنما أيضاً الإعلان عن الأرقام والبيانات الأساسية بشكل بسيط ومستمر.
فحسنا فعلت الحكومة هذه المرة حينما أعلنت منذ البداية أن الأزمة المالية سوف تؤثر على الاقتصاد المصرى، وألا تسعى إلى طمأنة الناس بغير مبرر، أو إعطاء الانطباع بأننا بمنأى عن الآثار السلبية للانكماش العالمى.
ولكن ما يجب أن يلحق ذلك هو تقديم معلومات محددة ومستمرة عن المؤشرات الرئيسية التى يمكن أن تساعد على استشراف اتجاهات الأسواق والاستعداد لها والتعامل معها.
شخصياً، أتمنى مثلاً أن يكون هناك إصدار دورى ومستمر وعلى نطاق واسع لأرقام وبيانات التراخيص الجديدة للسيارات، ومبيعات السلع المعمرة، ومبيعات وتسجيل العقارات، والملتحقين بسوق العمل وأيضاً الخارجين منها، وأرقام الصادرات والواردات، والتغييرات الرئيسية فى أسعار السلع، وإعداد وثائق التأمين الجديدة، ودعاوى الإفلاس، واتجاهات أسعار إيجارات المنازل، والإشغال الفندقى، وتحويلات المصريين من الخارج.. وهكذا.
أعلم أن العديد من هذه المعلومات متاح بالفعل. ولكن ما يجعل فائدتها للناس محدودة أننا لانزال نعيش فى ثقافة الإعلان عن المعلومات والبيانات الاقتصادية من منظور الإنجازات الحكومية (أو منظور عدم الإنجاز من وجهة نظر المعارضة)،
بينما يجب أن تكون متاحة بشكل أكثر حيادية وفى شكل معلومات «خام» لا تعبر بالضرورة عن حسن أو سوء أداء الحكومة والوزراء. من جهة أخرى، فإن نشر هذه المعلومات يتم بشكل إحصائى جامد وأكاديمى،
وبالتالى يأتى فى الغالب متأخراً وغير مفهوم لمعظم الناس. هناك استثناءات يمكن لغير المتخصصين متابعتها، مثل المعلومات الخاصة بالبورصة، وأرقام تأسيس الشركات، والبيانات الشهرية الصادرة من وزارة المالية، وتقارير البنك المركزى،
ولكنها لا تكفى وحدها لتحقيق تدفق المعلومات الاقتصادية، التى صار الحصول عليها من حقوق الإنسان فى المجتمع المعاصر، ولا تتم مناقشتها والتعليق عليها بأسلوب يصل للمواطنين ويزيد من وعيهم بالسوق.
وفى غياب النشر المنظم والمستمر لهذه المعلومات، وفى غياب مناقشة تتجاوز الأكاديميين والاقتصاديين المتخصصين، فلا عجب أن يعتمد الناس على ما يسمعونه من شائعات وما يتردد فى المقاهى، لبناء توقعاتهم للمستقبل، أو أن يركنوا إلى سؤال من يتوسمون فيهم العلم ببواطن الأمور لاتخاذ قرارات يمكن أن تكون ذات أثر بالغ عليهم وعلى أسرهم.
موقع جريدة المصرى اليوم